محطة الفهم بين الحقيقة والفهم
محطة الفهم: الفهم نعمة كبرى، وكل الناس يرجو أن يصل إلى هذه المرتبة العليا، إنها مرتبة أخص من العلم،
ويكون فيها من القوة ما يجعل النظر إلى الأشياء يتم بالإدراك التام، وهذا ما يجلب للنفس مرتبة الارتياح،
ومرتبة من استثمار الفكر الناتج عن الحق.
مشكلة الحقيقة والوهم: الحقيقة مطلب عام كذلك، وقد تتأسس كمعرفة ناتجة عن استنتاجات عقلية وعلمية،
وقد تتأسس على الإحساس الذي يشعر به الإنسان، أي على توظيف القوى النفسية، وكذلك الحواس،
والحقيقة في حد ذاتها هي درجات: منها مالا يختلف فيها العقلاء من الناس، ومنها ما يحتاج إثباتها إلى استدلال دقيق،
ثم إن ارتباط الحقيقة بالواقع تجعل للحقيقية مفهوم جماعي ومفهوم فردي، وهنا سؤال لا أن يطرح،
وهو ما هو معيار الحقيقي وماهي المعايير المؤشرة على ذلك،
وهنا في محطة الفهم ، فمن مؤشرات التفكير المنطقي ،
وهو التفكير الذي يشترك فيه الكل، ولا يقبل التناقض وهنا يعتمد الإنسان على أمرين،
الأول: الاعتماد على مبدأ تحديد حدود الحقيقة والصور التي يمكن أن تتألف منها،
و لبد من حصرها رياضيا دفعا لكل احتمال غير صحيح، ويدل على هذا خلوها من التناقض،
ويعتمد هذا الخصر على الاستقراء التام، الثاني : أن الحقيقة تنتج لنا من المصالح و المنافع ما يمكن الاستفادة منهـا بمعنى
لا تنتهي بنا إلى طريق مسدود ، وخالي من التقهقر أي لابد فيه من شعور الشخص بالأريحية و شعوره بثمرات هذه الحقيقة
على نفسه وغيره، والوهم يعكس كل هذا الذي ذكر آنفا ، فإن الوهم قد يعكس بعض الموروثات الفكرية غير المؤسسة
على محض التقليد ، وهي نتاج تلبيسات خالية عن بناء عقلي متين ، والتلبيس في الحقائق لابد أن يصنع الوهم ،
و الإشكال الكبير هنا
، أن يستمر الشخص على يراه و ما يشعر به ، و يظنه نوعا من الاعتقاد لا يمكن تركه أو تجاوزه ،
و إذا استمر الحال مع شيئ الإلهاء و ترك التفكير و الاستسلام للواقع ، خاصة إذا كان الوهم يلبي حالات من الاحتياج الفكري و النفسي
و العقلي و الاقتصادي والعاطفي ، فيضعف الشخص و يظن أنه لابد من متابعة المسار ، و إكمال الطريق ،
ويظن أن صحة ذلك كله، يقوى هذا مع الإصرار على التبرير لما يراه ، يكون منساقا وفق مشاعره الجارفة ،
ويغفل عن النتائج المتوقعة لاحقا ، التي تكون عكسية تماما في كل ما أمَّله و انتظره ، ومن المخاطر التي يجد الإنسان نفسه
أمامها أن الحقيقة ثابتة ، ولها وقت معلوم ، وظروف معينة ، ومن نتائجها أنها كاشفة لتلك الأوهام ،
و التي قد تطول و تأخذ حيزا كبيرا من حياة الإنسان ، فلابد للعاقل من وقفة تأمل ، و من لحظات فكر ،
و من مراجعات لما سبق ، ومن استكشاف لحالته النفسية ، و طريقة تخمينه ، وليتقبل أرآء الأخرين حيث عرض أرآهم عليهم ، وحيث ذكر
له ما يمر به ، فمن الناس وبحكم سنهم و ظروفهم لا يمكنه الوصول إلى الحقيقة المرجوة،
ومن الناس و بحكم الذكاء و النباهة و التجارب و الأحداث ، يكون أقرب ما يكون للحقيقة و التي تتسم
بالهدوء الفكر و الهدوء النفسي إلى حد الاستقرار، و أبعد ما يكون عن الوهم ولابد.