العمر رحلتك و محطاتك

العمر رحلتك و محطاتك، العمر رحلة الإنسان التي تلخص المراحل التي قطع، وجملة الأحداث التي مرت عليه،

وتلك اللحظات الشاهدة، والمشاعر الصامدة، ولا يدرك الإنسان هذا كله إلا إذا توقف قبل المرحلة الأخيرة،

ورأى ذلك كلع بالعين البصيرة.

هل تستبدل عمرك و تستقبل عمرا جديدا، و إذا استبدلت عمرك بترك ما أتعبك، و أدخلك في متاهات خرجت مرهقا ،

وخرج منها غيرك متفوقا ، فهل هل أن تستقبل عمرا جديدا ، عمرا تستدرك فيه ما فات ،

و تبسط فيه من جميل أفكارك و أهدافك ما يكون فيه السرور عنوانك ،

وهل يتسع عمرك أن تنجز فيه من الأعمال ما تكون وسائل لتغير الأحوال ، فتقر حياتك و تكون خاتمتها مسك أذفر و وردا يزهر.

العمر رحلتك و محطاتك ، وإن كنت قبلها تدعو لنفسك بطول العمر، وتكون حينها أدركت فضل العمر في أن تمضي من التواقيع

ما هو كل خير لك في بقاءك ومن بعدك وذكراك، أم تخاف أن يلبسك العمر كالثياب الخليقة والمقطعة،

وتصير أنفساك ثقيلة متقطعة، والغاية إن دعوة بطول العمر فلا تنسى أن تصحبه تمام العافية، وكمال السلامة:

* بانَ الشّبابُ وأخلف العَمْرُ * وتغيّرَ الإخوانُ والدَّهرُ*.

وعلى هذا إن أردت أن يطول العمر

فلا تطلب من الأمور ما لا تقدر على الوصول إليه، فتمضي أوقاتك ولحظاتك من أجله، فلعلك لا تدركه أو تدرك جزءا منها،

فيفوتك الالتفات إلى ما قد ينفعك، فإن متتبع السراب لا يشعر بمرور السحاب.

فلا تهدم عمرك لما لا تقدر الوصول إليه، ولا تهدم عمرك كذلك بما لو وصلت إليه أعدمت فيه عمرك كذلك،

وتوسط في الأمور كلها، واختر لنفسك الأفضل، وإذا اخترت لنفسك ما يطول عمرك، فتعود على ما تحفظ فيه صحتك،

وتبقي فيها بشاشتك ومهجتك ، و اقتصر على ما يفيد لا ما يلهيك ، و خذ من كل شيء لبه و أحسنه ، و جميله و أفيده .

وقبل هذا كله، تعلم كيف تقسم عمرك، وتستفيد في كل مرحلة تقطعها قبل أن تقطعك هي،

واجعل أولها في طلب العلوم و المعارف ، و الحرف و الصنائع ، واجعل في ثانيها طلب المال حتى يكون سندك في بقية الأعمال ،

و اجعل في أخرها الإنابة و التوبة ، و الاستماع بالقرابة و الأصدقاء و الأحباب ، وفي هذا قيل :

* أقسم العمـــــر ثــــــلاثا واستمع * يا بني النصـــــح مـني والرشادا* * فاطلــــب الحـــكمة في أولــــــــــه * واحرز العلم وجب فيه البلادا*

* واكسب الأموال في الثاني وكل * واتـــرك الراح ولا تبغ الفسادا* * وتـــــرقـــــب آخر العمــــر فإن جــــــاءك الموت فقد نلت المرادا

و احذر أ تعيش وحدك، فإن من كان عيشه وحده ولم يعش

بعيشه غيره فهو وإن طال عمره قليل العمر والبائس من طال عمره

في غير الخير ومن لم يتأس بغيره في الخير كان عاجزا ، و احذر أن تعيس للناس ،

فتتجمل لهم حتى ترسم عن نفسك صورة تستحسنها أنت و يرتضيها هم ،

بل كما أنت في حقيقة نفسك ، وجميل وطيبة روحك ، كنا أنت في جميع مراحل عمرك ، و عش لنفسك و لغيرك ،

و اعلم أن البركة في العمر أن تدرك في عمرك القصير بيقظتك، رزقنا الله حسن اليقظة جميعا.