الاحتراق النفسي
التّظاهرُ بالقُوّةِ فِي حينِ أنّكَ تتآكلُ من الدّاخلِ. وادّعاء الصّلابةِ في حينِ أنّك هشٌّ ضعيفٌ عكسَ ما تُبديهِ أمام النّاس. جميعُ ذلكَ يعتبره الكاتبُ ويلمار شوفلي مرضًا نفسيًّا. وقد تحدّث عن أعراضِه وجملةً من النّقاطِ الأخرى في كتابِه «الاحتراقُ النّفسيّ».
يرَى الكاتبُ أنّ الاحتراق الداخلي مجموعةً من الأسبابِ النّفسيّة. كالفشلِ والمشاعر السّلبيّةِ، والإحباط، وفقدان الشّغف للقيامِ بأيّ عمل.
والاجتماعيّة فيعيش المُصابُ بالاحتراق النفسي عزلةً وانطواءً وتكونُ علاقاته الاجتماعيّة محدودةً جدًّا.
ومن الأعراضِ الصّحّيّة الصّداع، وفقدان الشّهيّة، والأرق.
أمّا الأعراضُ السّلوكيّة فعدَّ منها الكاتب التّخلّي عن المسؤوليّة. وسوء المردودِ في العمل. وعدم الالتزام بالمواعيدِ. فينتجُ عن ذلك جملةٌ من السّلوكيّات السلبيّة من الشّخصِ تجاه زملائه في العملِ أو بيئته الاجتماعيّة.
ويرى الكاتبُ أن السّبب الرّئيس للاحتراق النّفسي يتمثّل في الضّغوطات التي يتعرّض لها الشّخص في محيطِ عمله. ومن أكثر المهن التي يكونُ أصحابها عرضةً للاحتراق النّفسيّ. المهن الفكريّة والعقليّة. والمهن ذات المسؤوليّة الكبيرة، والمهن التي يصعُب تحقيقُ أهدافها.
كما وأشار الكاتبُ إلى أنّ المهن ليست فقط التي تكون بمقابلٍ ماديٍّ. وساق على سبيلِ المثالِ الأمهاتُ وما يتعرّضن له من ضغط في بيوتهنّ، وكذلك الطّلبة.
وقد قسّم الكاتبُ أسباب الاحتراق النفسيِ إلى:
• تنظيميّة: كأن يعمل الشّخص عملًا لا يُحبّه. أو أن تكون بيئة العمل سيّئة فيها فوضى واستغلال وعدم تقدير لمجهود الشّخص. فيُصدم بالبونِ الشّاسع بينَ ما كانَ يتوقّعه من عمله. والواقع المُخالف لتوقّعاته، فيسقط في دائرة الاحتراق النّفسيّ.
• فرديّة: حيث يرى الكاتبُ أنّ سمات الشّخص الفرديّة وطباعه لها تأثير كبير في مواجهةِ تلكَ الأسبابِ التّنظيميّة التي ذُكرت آنفا. وكلّ فرد له طاقة معيّنة لاستيعابِ ومواجهةِ ما يتعرّض له.
وقد ذكر الكاتبُ أكثر أربعة أشخاص عرضةً للاحتراقِ النّفسيّ وهم؛ الأشخاص الذين لديهم مثل عليا في الأداء والنّجاح. والأشخاص الذين يربطون بين آدائهم المهني ورضاهم عن أنفسهم. والأشخاص الذين يولون عملهم أهميّة كبرى. والأشخاص الذين يعتبرون العمل كل حياتهم وبالتالي ليس لهم أي مشبع فرديّ خارج إطار العمل.
كما وأشار الكاتبُ إلى مراحلِ الاحتراق النفسي وهي أربع مراحلٍ. ولتوضيحها أخذ الكاتبُ مثالًا طبيبًا يعاني من الاحتراقِ النّفسيّ:
• الحماسُ وهي أولى المراحلِ والتي يكونُ فيها الشّخص متحمّسًا لعملِه، ويعقدُ عليه آمالًا عاليةً لإظهارِ قدراته المهنيّةِ.
• الرّكود وتأتي عند انتهاءِ مرحلةِ الحماس. حيثُ يُصدم هذا الطّبيب بغيرِ ما كان مُتوقّعا ويكتشفُ أنّ عمله لم يوفّر له احتياجاتِه الماديّةِ والمهنيّةِ والشّخصيّةِ. كما أنّ نظام العمل ليس كما كانَ يعتقد فغيره مثلًا قد تمّت ترقيته وهو أقلّ كفاءة منه! وهذا يُساهم في قتلِ الحوافزِ الدّاخليّة التي كانت عند هذا الطّبيبِ.
•الإحباط وهو مرحلة تنتُج عن تراجع الحوافز الدّاخليّة لهذا الطّبيب. والذي لا يملكُ خارجَ عمله ما يُعوّضه عمّا يعانيه ممّا يولّد لديه تساؤلاتٍ عن أهمّيّة دوره ممّا يسبّب له توتّرا وقلقا وإجهادا دائما.
• البلادة وهي مرحلة الانهاك الانفعاليّ التّام حيث أنّ هذا الطّبيب ولانعدامِ موارد الطّاقةِ لديه تتراجع أهدافُه. فيتّخذُ مواقف سلبيّة تُجاه المنظومة المهنيّة برمّتها حتّى المستفيدين من عمله فيسيء معاملتهم.
وقد فرّق الكاتبُ بين الإرهاق والاحتراق النفسي فأشار إلى أنّ الإرهاق هو شعور مؤقّت بالضّيقِ والتّعب يكون مصاحبًا لضغوط العمل. وحالمَا تنتهي تلك الضّغوط يعود الشّخص لوضعه الطّبيعيّ.
في حين أنّ الاحتراق النّفسيّ هو شعور دائم مصاحب للشّخص ولا يزول بزوال الضغوطات المهنيّة. ثمّ انتقل الكاتب إلى طرح جملةٍ من النّصائح للذي يعاني من الاحتراق النّفسيّ. كتصفية الحسابات مع النّفس، والاكتفاء بالعمل ضمن ساعات العمل المحدّدة، فلا يكون متاحًا لرؤساء العمل وزملائه خارج أوقات الدّوام. وتجديد النّشاطِ، وإعطاء أولويّة للمصالح الشّخصيّة. وأن يعطي الشّخص نفسه حقّها فيعرف حقوقه في العمل كما يعرف واجباته.
كما وقد نصح الكاتبُ الشّخص المصاب بالاحتراق النّفسيّ بتقسيمِ حياته إلى ثلاثة أجزاء؛ العمل، والمنزل، والحياة الاجتماعيّة على أن يفصل بين تلك الأجزاءِ فلا يسمح للضّغوطِ في جزءٍ منها أن تنتقل وتؤثّر على جزءٍ آخرَ.
ثمّ تحدّث الكاتب عن الاستقرارِ العاطفيّ وأهمّيّته في حياةِ الشّخص. فوجود أناس يهتمّون به ويصغون إليه ويشاركونه همومه مهمّ جدًّا. إضافةً إلى اتباع العادات السّليمة كالنّوم الجيّد، والأكل الصّحّي، والرّاحة.
وفي الختامِ أشار الكاتبُ إلى ضرورة تنمية الشّخص لاهتماماتِه الخارجيّة وملىءِ أوقات الفراغ بالأنشطة الفعّالة.