الناس بين صناعة الجد والتفاهة وتأثيرهما على المجتمع والأسرة

صناعة الجد والتفاهة: يمكن القول صناعة الجد؛ والتفاهة أمران طبيعيان في الإنسان بمعنى أن الإنسان جُبل عليهما مع اختلاف نسبتهما في كل شخص، فهما حالتان يعتريان الحالة النفسية للإنسان، فالجد حالة يظهر فيه عصر الإنسان وإصراره فيما هو قاصد إليه من تحقيق الأهداف وإدراك الطموح، وهي صفة حسنة لابد منها في حياة أي واحد منا، إذ الجد هنا المحرك القوي، والباعث الأمثل من أجل أن تتغير حياة الإنسان إلى الأفضل، وأما التفاهة فهي حالة يكون الهزل فيها سيد الموقف والغاية منها الخروج عن العادة مع تمام حفظ الذوق العام للمجتمع، ولا يراد بها مضادة القيم والمبادئ والأخلاق بداعي حرية التعبير أو إضحاك الناس وإخراجهم عن المألوف.

صناع الجد و التفاهة

• الجد صناعة لابد منها في أي شخصية حتى تستكمل المطلوب منها، و هو صناعة تقف من وراه تربية الوالدين، وتوجيه الأساتذة، والمنحى العام الذي يتبناه المجتمع حتى يصل وصف الدولة كلية بالجدية، وقد يكون التفاهة صناعة مربحة يصدرها البعض لأكثر من هدف، فإن أصبح لها رواجًا، وقع التخوف أن يستديم الناس لها حتى تنطبع نفوسهم طبعًا آخر ينسيها الطبع الأول، وتزداد خطورتها كلما ازدادت قابلية الناس لها، ووقع تأثيرها، ومع تأثير الاعتياد ينساق الناس إلى الكل.

التوسط بين الجدية والتفاهة

• التوسط بين جدية الجد وسفاهة التفاهة أمر محبوب ومرغوب، وقد وقع التطرف من بعض الناس فيهما، فكثير منهم تستهويه الجدية حتى تغيب عنه الفكاهة والابتسامة، وبعضهم تكون الفكاهة سمته التي لا يمكنه التخلي عنها حتى يلام استهانته في بعض الأمور التي يتفق الناس على لزوم الحد فيها غير أن الجمع جميل جدًا، و في هذا قيل من جهة المثل فلان: “تافه نافه”، فالتافه ما يوصف بالقلة أي في تقدير هو ما يجب اعتباره، والنافه قليل الكلام، فلا هو ينفع بحضوره و لا بكلامه، بل هو متعب في جميع أحواله، فالأفضل كما ذكر الجاحظ في رسائله الأدبية في قوله: “ولو استعمل الناس الدّعابة في كل حال والجد في كل مقال وتركوا التسمح والتسهيل وعقدوا في كل دقيق وجليل لكان السفه صراحا خيرا لهم، والباطل محضا أردّ عليهم. ولكن لكل شيء قدر ولكل حال شكل. فالضحك في موضعه كالبكاء في موضعه. والتبسم في موضعه كالقطوب في موضعه”.

التفاهة مع الجد هما الأسلوب الأمثل :

• قد تكون التفاهة بمعنى الترفيه هنا هي الأسلوب الأمثل في بعض الأحوال و المجالس،
• ولهذا اختص الملوك والسلاطين من قديم الزمان في بعض مجالسهم بالندماء،
• ويكون قربهم وبعدهم في المجلس على اختلاف مكانتهم وحاجة الناس إليهم
• ولم تخلو مجالسهم من الطرفاء والذين يلقون النوادر والملح والقصص والغاية منها تلطيف جو المجلس
• وطلب الاسترواح والاستجمام ، ودفعًا لتراكمات واقع الأيام، وضغوط العمل والمسؤوليات، وقد يتلهى الناس ببعض النكت والقصص، وبذكر بعض الأحداث الاجتماعية، وينساق فكره إلى استحضار بعض الذكريات، لطرد الملل وتنشيط الذهن، واستجماع القوة من جديد، و يتأكد هذا في ظروف كثيرة خاصة في ظرف الأزمات التي تجمع على الناس ضروبا من المآسي وأنواعًا من الآلام، فتكون حاجة الإنسان إلى ترويح النفس حاجة ضرورية ولابد، فإن من الطرق المثلى قديما و حديثا العلاج بالضحك لمن غلب على حاله الحزن و الكآبة.

الكاتب:

كتب بواسطة الكاتب (د. عبد الرحمن جلال الدين ) اطلب استشارتك الآن.