الاعتذار و الاغتفار صنيعة العقال و النظار
حقيقة الاعتذار و الاغتفار: إنها الحياة حاوية لكثير من المسرات، فلا تزال أيام كثير من الناس مبتهجة،
ولكن إذا حلت النوائب ذابت فيها الأنفس والأرواح، وبين ما يجب اغتفاره وما يجب اعتذاره،
قد تتنازل العقول والنفوس، من الذي يقدم وما الذي يؤخر.
وأما حقيقة الاعتذار فهو طلب الصفح فيما جرى، والعفو عما ورد، وتناسي ما وقع، وهنا ينبغي أن يلحظ فيه شيء مهم،
وهو صدق الاعتذار من عدمه، فإن في الصدق من المطارحة والمصارحة، وفي الكذب من الخداع ما يكون حبله قصير،
فلا يمكن إخفاء الأمر الكبير بالأمر الصغير، ثم الاحتجاج بالمقادير حجة لكثير من الناس، صحيح القدر غالب لا ينازع،
لكن في توظيفه لتبريره أمور لا يمكن فعلها لا يفي بالغرض هنا مطلقا.
وأما حقيقة الاغتفار
فهو غض الطرف عما وقع، و عدم الالتفات لما حصل، وترك الخوض في التفاصيل،
و إنها الموضوع عن طواعية، والدخول في مرحلة ثانية، و هو من شيمة الفضلاء الذين لا يلتفتون إلى حظوظ أنفسهم،
بل جل تركيزهم، تخليص غيرهم من التجني عليهم بقصد أو دونه، وتخليص أنفسهم من مثل هذه الأوضاع،
و الالتفات إلى ما هو أهم وأنفع.
ولعل من أهم الأمور في الدعوة إلى الاغتفار حسن الاعتذار، فمن الناس من يجيد فن الاعتذار
بما يختاره من ظرف ومناسبة وزمان ومكان وعبارة وطريقة، ويبلغ الحد أن يكون حسن الاعتذار أفضل من الاعتذار نفسه.
وبالمقابل قد يكون دفع الناس إلى اعتذاره وتحويجه لذلك، أسوأ من الاعتذار نفسه، والأجمل هنا أن تكون الإحالة
على المشاهدة ومعاينة أفضل من الاعتذار نفسه، وتنوب هنا الخبرة عن الاستخبار، أي يدرك في الإنسان حقيقة بنفسه.
وقد يكون الاعتذار لا يغني عن مرارة الشيء والواقع، بل ولا يمحوه الليل والنهار، بل إن في كثرة الاعتذار تفضي إلى الملل،
ملل الحال والشخص والقضية، فإن من اجتنب خطية الإصرار، لم يركب مطية الاعتذار.
صنيعة العقال والنظار في الموازنة بين الاعتذار والاغتفار:
وبين هاتين الحقيقتين تتصارع العقول والنفوس، أما صراع الأنفس فبتحسسها عن صدق الاعتذار،
وهنا يكون النظر في العيون والحركات، وفي طريق الكلام في العبارات، وفيما يصل إلى القلب من الإشارات،
إنه بالأخير عناء عظيم، وتعب كبير، وأما صراع العقل فبمحاولة فهم طبيعة القضية، ونوع الحكاية،
والمناسبة في تفاصيلها، و تقدير ذلك كله، وفي صحته من عدمه، وهنا كلما طال الأمر استوجب التركيز و زيادة.
– وبناء على ما سبق ينبغي أن تقدر الأمور بمقاديرها، ويعطى لكل أمر حجمه واهتمامه، وتعرق احتماليته ونهايته، فإن ترك تقدير الأمور ومعرفة ذاك، قد يتسبب في مشاكل جديدة.
والحاصل هنا: إِذا نطق لِسَان الِاعْتِذَار فليتسع نطاق الاغتفار”، والأجمل هنا أيضا أن يغني العذر عن الاعتذار،
وحينها تغني المودة حاصلة عن سوء الظن، كما يغني الرضا عن الشخص عن العذر والاعتذار.
و على المرء في هذا الزمان أن ينظم علاقته الخاصة و العامة و يعرف من يقبل اعتذاره ومن يرفضه، ومن يقبل اغتفاره ممن لا يقبل،
و بالمقابل فإن الوقوف في موقف الاعتذار و الاغتفار لا يليق أبدا بالعقلاء و الفضلاء من الناس ،
غير من يقوى عليه مع سماحة النفس فهذا من الدلالة على نبله و سعة باله و خاطره .