fbpx
الزوجية والعاطفية

الحكمة الخالصةُ

في عصرنَا هذا -عصر السّرعة- أصبحت حياتُنا أيضًا تتّسم بالسّرعةِ. ففقدت الكثير من القيمِ والمبادئ مكانتَها، حيثُ أصبحت السّمة الطّاغية على حياتِنا مردّها إلى القوانين المادّيّة والنّفعيّة البحتة. وفي هذا الكتاب «الحكمة الخالصة» أراد الكاتب دين كاننجهام السّير بنا بعيدًا عن صخبِ هذا العالم المادّي. إلى عالم بسيطٍ أساسه القيم والمعاني وذلك من خلال تقديمه عصارة تجاربه الحيّاتيّة على مرّ السّنين.

لا شكّ أنّنا جميعًا ودون استثناء نتعرّض في حياتِنا اليوميّة إلى عواصف تؤثّر بشكل أو بآخرَ في ذواتِنا وعواطفنا. غير أنّ ما يميّز الشّخص الحكيم عن غيره اختياره الهدوء والثّبات في وجه تلك العواصف والتّقلّبات. ممّا يجعلها لا تؤثّر فيه بقدر ما يؤثّر هو فيها.

والهدوء في التّعامل مع العلاقات عامّة. والعلاقات العاطفيّة خاصّة يعني أنّك قادر على ضبط مشاعرك، والحفاظ عليها، فلا تجد نفسك منجرفا تبالغ في ردود فعلك. فتحمي بذلك علاقتك مع الطّرف الآخر من الانهيار.

ولكن على رسلك؛ إنّ هذا لا يعني أن تكون باردًا أو فاترًا في ردود أفعالك. لا قيمة لعواطفك ومشاعرك! ليس هذا المطلوب إطلاقًا، ولكنّها دعوة للهدوء وحسب. والتّحلّي بالاتّزان عند الإصغاء إلى مشاعرك. دون الاستسلام لها لأنّ ذلك يجرّدك من العقل، وأيضا يفقدك وضوح الرّؤية وحرّيّة القرار وحسن الاختيار.

يشير الكاتبُ إلى أن الحياة تعجّ بالمخاطر. وحتمًا ستجابه في حياتك موقفًا يجعلك تخاف شئت ذلك أم أبيت. وهو ما سيضطرّك حتمًا إلى الوقوف أمام خيارين؛ إمّا المواجهة وإمّا الاستسلام والفرار.

وثِق أنّ الاستسلام ليس خيارًا جيّدًا إذا كنت ترغب في تحقيق شيءٍ قيّم. لذلك ينبغي لك أن تواجه وتجابه؛ تواجه الخوف من الضّرر والأذيّة. وتجابه الخوف من الفشل والنّقد.

جرّب أن تتخيّل حياتك وأنت تستسلم أمام كلّ عقبة؟ وتستسلم للخوف فيعرقلك؟

تخيّل كلّ تلك القيود التي ستقيّدك بها الحياة، ألن يكون ذلك أمرا لا يُطاق؟
أوافقك الرّأي أنّ هذا النّوع من الحياة سيكون مقيتًا جدًّا لأنّ الحياة النّاجحة تأتي بعد كثيرٍ من النّقد والفشل والرّفض. وهذا لا يعني أنّ الشّجاعةَ تعني التّخلّص نهائيّا من الخوف. لأنّ هذا غير منطقيٍّ وغير صحّيٍّ أيضا. كما لا يعني تقصّد مكامن الخطر، لأن هذا لا يُعدّ  شجاعة وإنّما تهوّرًا.

ولكنّ الشّاهد أنّ هذه الحياة مشوبة بالأكدار والعوائق والمشكلات وهذه طبيعتها. ونحن علينا تقبّل هذه الحقيقة، والتّوقّف عن التّذمّر والفرار. إذ لا خيار لنا سوى المجابهة والمواجهة.

إنّنا وبسبب ما باتَ يتّسم به عصرنا من سرعةٍ وانتشار ثقافة الإشباع السّريع للحاجات والتّلبية الفوريّة للطّلبات. فقدنا قيمة وخصلة مهمّة جدًّا؛ ألا وهي الصّبر. فلم نعد قادرين على الانتظار وتأجيل ملذّاتنا القريبة. غير أنّ من يسعى إلى الحكمة والحياة المتّزنة النّاجحة فعليه أن يخفّف من هوس هذا العصر في السّرعة. فلتحقيق النّجاح ينبغي مقاومة الإغراءات، وإلّا فنمط إشباع الرّغبات وافتقارنا للصّبر سيحول دون تحقيق النّجاح. كما إنّ ذلك سيورّثك العجلة في الإنجاز وهذا يدفع بك نحو عدم الإتقان من جهة. وعدم بلوغ النّتائج المرجوّة من جهة أخرى.


ولذلك نجد كثيرين من أصحاب عقليّة النّتائج السّريعةِ يفتقدون إلى الصّبر والمثابرة. لذلك وبمجرّد انطفاء وهج الحماس الذي كان لديهم في البداية يتوقّفون ولا يكملون ما بدؤوه، لأنّ النّتائج تحتاج صبرًا ومثابرةً، وهي تتحقّق ببطئٍ، ولكن احذر الاعتماد على هذا المبدأ في أمر لا تُرجى منه فائدة.

إنّنا في هذا العصر نعاني من كثرة المشتّتات والملهيات. وفي مقابل ذلك قلّة الإنجاز والفاعليّة وذلك بشكل كبير.

يقول الممثّل الهنديّ كومار: «أصدق حالات التّركيز تعني القدرة على توجيه العقل تجاه شيءٍ واحدٍ بانعزال وتفرّد بعيدًا عن بقيّة الأشياء الأخرى.

لذا من الحكمة ان تحذر عند البدء في عملك، وراعِ جيّدًا أن لا يتشتّت جهدك؛ فتبدأ مثلا في إنجاز عمل ما ثم تتركه في المنتصف، وتقفز إلى عمل آخر، وهذا يشتّت الجهد، ويقلّل من الفاعليّة.، لينتهي بنا الأمر في النّهاية أمام مجموعةٍ من الأعمال النّاقصة المبتورة لم يُنجز منها أيّ عمل.

وينصح الكاتبُ بالتّأمّل لاكتسابِ مهارةِ التّركيز. وكتمرين على ذلك: ايتِ بورقة وارسم في وسطها دائرة سوداء بقطر سنتيمتر واحد، ثمّ ثبّتها أمامك على الحائط في مستوى بصرك، واجلس مسترخيًا مستقيم الظّهر. وركّز انتباهك وبصرك على تلك النّقطة السّوداء لمدّة دقيقة. في البداية سيحيد بصرك عنها ولكن أعد المحاولة وستتمكّن من إتمام الدّقيقة، ثمّ أكل وقت التّمرين، وكلّما طالت فترة انتباهك زادت معها قدرتك على التّركيز.

حاول أن تبقيَ حياتك بين البساطة والتّساهل، وقلّل من تعقيد الأمور وركّز على ما هو ضروري، ولا تركض خلف تلك الأشياء التي يبرّر لك عقلك أهمّية الحصول عليها. ثمّ استغن عنها، لأنّه لا يمكن الحصول على شيء دون مقابل.

ثمّ إنّه من الخطأ التّعلّق الزّائد بالنّتائج حتّى أصبحت مصدرًا نأخذ منه تقديرنا لذواتنا، فينتج عن ذلك حياةً معقّدة وشاقّة، فنرى أي سقوط ولو كان بسيطًا طامّةً في حقّ صاحبه. لذلك عليك أن تركّز على ما هو مهمّ. وتخلّ عمّا يثقل كاهلك دون تعقيد، فلا إفراط ولا تفريط.

من باب الحكمة, إنّ الحكم على الآخرين أمر مزعج وغير مقبول ولا يمكن فعلًا أن نكون صادقين ولا منصفين عندما نقول للآخر: لو كنت مكانك لفعلت كذا.

وينبغي أن نتذكّر جيّدًا عند إسداء النّصيحة أنّ ما قد يكون مناسبا لي. ليس بالضّرورة مناسبا لغيري، والنّصيحة لمن لم يطلبها منّا هي بمثابة الحكم عليه. لذلك علينا أن نتوقّف عن إصدار الأحكام على الآخرين والسّماح لهم بأن يكونوا كما هم، وأن يقوموا باختياراتهم حتّى وإن كانت خاطئة ليتعلّموا منها.

في الختام اعلم أنّ منتهى الحكمة يكون بمعرفة متى تتحرّك ومتى تتوقّف، متى تعطي ومتى تمنع، متى تبقى ومتى ترحل.
وسبل الحياة السّعيدة أن تحسّن اهتمامك بذاتك دون الانشغال بما يقوله الآخرون عنك، كما ولا تكن حكما على الآخرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى