البكاء و النفس الباكي
البكاء صفة إنسانية يشترك فيها الناس، و من منا لم يبك، و مما يتمز به البكاء أمور كثيرة منها :
المواساة في البكاء :
و هي من شيم من اتصف بمحبة الآخرين ، يرق قبله عندما يرى عيونهم و دموعهم تسيل ، إنه شعور جميل ،
يتأثر فيه الناظر بما ألم بالشخص ، خاصة عندما يكون البكاء عن فقد محب كالوالدين و غيرهم من القرابة ، كما قيل :
* تبعتُ الهوَى جُهدي فمن شاءَ لامني * ومن شاء آسى في البُكاء وأسعدا*
ماذا لو طال :
إن لم يتحمل الإنسان ما حلَّ به، و طال بكاءه، فلا ينبغي أن لا يعنف من أحد، بل يؤخذ الرفق و بالكلام الطيب ،
فلا يمكن لأحد أن يشعر بما حلَّ به إلا هو نفسه ، * علامَ وقدْ فارقتَ ميّاً وفارقتْ فمَيُّ علَى طولِ البكاءِ تُلامُ.
الدموع عن الخيانة يكسر النفس و يقطع الحس:
الخيانة بئس البطانة، أي أسوأ ما يبطنه الإنسان ويخفيه، و بمقابله يظهر الوجه الجميل الحسن،
إن الخيانة تجمع في طياتها بين الغدر و المكر، وكثيرا ما ينصدم الشخص عندما يشعر بخيانة من يخونه، حينها تظلم الدنيا في وجهه،
و تجمد مشاعره، و يضيق نفسه، ثم يجهش البكاء، وفي هذا قيل :* يا قلبُ قدْ خانَ مَنْ كلفتَ بهِ * فخلِّ عنكَ البكاءَ في أثرهْ*
حين يمنع الإنسان الكلام يتجه إلى الدموع:
إن البكاء في أهم إشاراته هو تعبير محض عن حالة نفسية لا يقدر الإنسان التعبير عنها، حينها تسقط الحروف و الكلمات
و تختفي معاني ذلك كله،
فيكون البكاء الوسيلة الأمثل حين تتكلم دموع العين و يشهد سيلانها ما لا تفعله القلم و السيالة، فبين الحبر الأسود
و بريقه و الدمع البارد و أنينه يخبرك الإنسان بمكنونه،
في هذا قيل:* أريتُكَ إنْ منعتَ كلامَ ليلَى * أتمنعُني علَى ليلَى البكاءَ *،
من حصول البكاء حصول التشافي، فهو بالأخير استرواح للنفس،
في هذا قيل : * وقلتُ لها إنَّ البكاءَ لَراحةٌ * به يشتفي من ظنَّ أن لا تلاقيا *.
أخذ النظر قد يخفف هول البكاء:
قد يكون مما يخفف البكاء أن يبلغ الإنسان هدفه، ويأخذ منه ما يريد، وغالبا ما يكثر هذا بين الأشخاص بحسب ما يقتضيه الحال
، فيلجؤون إلى شيئ من العناق والضم مع تثبيت النظر حتى تتلكم العيون وتعبر عن حجم الوجد الذي بالداخل،
فإن كلام العيون قد يقلل بعض بكاءها، وفي هذا قيل:
* أقــــولُ لمُقــــــلَتي لمَّا التقـــــينا * وقدْ شــرقـــتْ مآقيها بماءِ *
* خُذي لي اليومَ مِنْ نظرٍ بحظٍّ * فسوفَ تُوكَّلينَ إلى البكاءِ*
التذكر يهيج البكاء:
إن هبوب الذكريات على النفس مما يزيد في المشاعر، وإذا كانت هذه المشاعر لها أثر كبير في النفس،
ولا يمكنه التخلص إلا بصعوبة،
وفي هذا قيل : * لذكرى حبيب هيَّجت لك عبرةً سفوحاً وأسبابُ البكاءِ التّذكُّرُ*.
البكاء لا يرد شيئا :
على العاقل أن ينتبه إلى أن البكاء قد فيد ، و لكن بالأخير لا يمكن للبكاء أن يرد شيئا،
فمن الجيد أن يبكي و لكن ليس من الفطنة أن يجعل البكاء هو نهايته ، بل عليه أن يقوم مجددا ، لتفقد أحواله من جديد،
و في هذا قيل :
* بكيتُكَ يا أخي بدموعِ عينيْ * فما أغنى البكاءُ عليكَ شَيَّا *
* وكانت في حياتك لي عِظاتٌ * وأنتَ اليومَ أوعظُ منكَ حيّا *.